الجمعة، 25 يوليو 2008

المعنى "مقالات الخبر" اليومية الجزائرية

القوّة الثالثة: الإخفاق والبحث عن البديل
بومدين بوزيد

تعرضت بعض الكتابات منذ سنوات في المغرب العربي إلى ما سمّي بالقوة الثالثة، أي تلك التي لم تكن مع التيار الراديكالي الثوري ولا مع الاحتلال أو الانتداب الفرنسي بل تتوسط التيارين ـ ونخبها تكوّنت في المؤسّسات الفرنسية بما فيها العسكرية، وهي القوّة التي سيطرت على الحياة السياسية وكان تأثيرها ممتداً إلى الإدارة والثقافة، وقد عُبّر عن هذا القول أي بسيطرة القوة الثالثة ـ في سياقات مختلفة ـ منها التركيز الذي أولاه الإسلاميون في موقفهم من العسكر الذين تكونوا في الثكنات الفرنسية وكان لهم التأثير البارز في تسعينات القرن الماضي، طبعاً قد نختلف هنا مع بعض التحليلات لمسألة القوّة الثالثة وحول وطنيتها ودورها، وأتذكر هنا دراسة قد كتبها محمد عابد الجابري نهاية القرن الماضي تعرّض فيه بالتفصيل إلى هذه القوّة الثالثة في المغرب الأقصى وكيف تعتبر إحدى معوقات الانتقال إلى الديمقراطية والتنمية، وهي من الدراسات التي تحاول أن تسترجع التاريخ والذاكرة وفق البحث عن الحقيقة دون الدخول في التصنيف الثنائي للواقعة التاريخية أو السياسية، غير أن بعض المقالات والدراسات حول هذا الموضوع غالت أحياناً ولم تستطع فهم طبيعة النخب والكتل التاريخية وكيف تتطور وما هو مصيرها؟

هيمنة القوة الثالثة التي هي السلطة الباطنية تمتد إلى مجالين أساسين التعليم "بما فيها الثقافة والتربية" والإدارة، وقد كان الزلزال الذي هزّها أحداث بداية التسعينات ولكنها استطاعت تحويل ذلك لصالحها بسبب غياب إستراتيجية المعارضة الإسلامية الراديكالية وهشاشة تفكيرها وغياب البعد التاريخي عند قيادييها، كل ذلك ضيّع فرصة القضاء على هذه القوّة الثالثة أو على الأقل إضعاف تأثيرها.
ترى هل هذه القوة الثالثة اليوم في مأزق ؟ أقول نعم، ولكن هل سينتهي تأثيرها في القريب العاجل أم تتجدد وتتوارث؟ إن أزمتها يمكن متابعة تجلياتها في العناصر التالية:
ـ لم تستطع أن تحقق الانتقال إلى الديمقراطية لكون طبيعة تكوينها وأسلوب هيمنتها التقليدي لا يساعدان على هذا الانتقال أو أن تتحول هي ذاتها إلى قوّة جديدة تتناغم مع كتلة تاريخية في المجتمع تنقل مجتمعاتنا نحو الديمقراطية والدخول لمجتمعات المعرفة والتقدم، وما تقوم به هذه القوّة من بهرجة اقتصادية واستعراض سياسي هو علامة على بداية تآكل هذه القوة بيولوجياً وسياسياً.
ـ كما أن بقاء الإدارة بمركزية استبدادية وتسيير إداري تقليدي علامة أخرى على هذا المأزق، أما على المستوى الثقافي والتعليمي فلم تستطع هذه القوّة الثالثة خلق نخب ثقافية وعلمية جديدة تتفاعل مع التطورات العالمية أو تكون قادرة على إنقاذ مسائل الهوية والدين وافتكاكها من جماعات تستطيع الوصول إلى آلاف الشباب والتأثير عليه .
ـ ثالث تجليات الأزمة الإخفاق المهيل على مستوى التحالفات الإقليمية، فلم تستطع بلدان المغرب العربي إلى اليوم بناء إتحادها وحلّ نزاعاتها رغم أن القوّة الثالثة واحدة في هذه البلدان، ولكن إرث تبعيتها للمجموعات المهيمنة الباطنية وللخارج تمنعها من إنجاز المهمتين التاريخين الإستراتيجيتين: الانتقال إلى الديمقراطية وتحقيق الاتحاد المغاربي والتكتل الإقليمي، وإن مسعى المتوسطية قد يجدّد أثواب هذه القوةّ الثالثة في بلدان المغرب العربي ويعطي لها نفساً مادامت هذه البلدان الأوربية راضية على أنظمة عربية تصنّفها في لغتها السياسية على أنها معادية للديمقراطية، وهنا نتساءل هل من المصلحة السياسية والإستراتيجية لبعض البلدان الأوربية وبالخصوص فرنسا استمرار هذه القوّة الثالثة في الهيمنة رغم الفشل في المهمات التاريخية؟ وهل علينا نحن نخباً ومواطنين البحث عن كتلة جديدة ـ تحدث عنها المفكر علي الكنز في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ـ والتوجه نحو طريق جديد يضمن لنا قوّة وطنية جديدة تعيد العلاقة على أسس علمية وعصرية مع التاريخ ومع العالم اليوم ؟
boumzid@gmail.com

ليست هناك تعليقات: